السبت، 2 أبريل 2016

6:35:00 م

مكتبة العجائب I خطير جدًا : أسرار تنشر لأول مرة .. لهذا هرب بوتفليقة من المغرب

مكتبة العجائب : مكتبة غناءة بالعديد من المواضيع و الاخبار الجديدة و العاجلة .. انضموا الان

«هل سيعود بوتفليقة حقا إلى المغرب؟ ألم يكن هو رئيس الدولة التي تسببت في أزمات آخرها ما وقع لبنكيران في جنازة الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة، عندما وجد نفسه قرب زعيم جبهة البوليساريو؟ عندما سألنا أحد العارفين إن كان بوتفليقة فعلا قادرا على العودة إلى المغرب ليعيش أيامه الأخيرة أجاب ضاحكا: «حياته اليوم رهينة بمصحات باريس وليس بمسقط رأسه»، إنها حكاية مثيرة عن رئيس دولة تغلق الحدود في وجه مدينة صدّرت إليها ذلك الرئيس!».

ذاكرة وجدة كلها تنبسط أمامه، خصوصا خلال فترة الخمسينات. يقول إنه يحفظها كظاهر يده، ويعتز بأن صداقة وطيدة جمعته مع علال سي ناصر، مستشار الملك الحسن الثاني.
علال سي ناصر، الاسم الذي يعرفه جميع الذين مارسوا السلطة، أو كانوا مقربين منها خلال السنوات الأولى من حكم الحسن الثاني، كان معروفا بقربه من الملك الراحل رفقة الوزير الأول، أحمد عصمان، وكان هذان الرجلان بالإضافة إلى أسماء أخرى، يركزون على مدينة وجدة لموقعها الحساس ودورها في صناعة الأحداث التي ساهمت في استقلال الجزائر. من هؤلاء المغاربة، الذين ساهموا في الأحداث، كان هناك مقربون من عبد العزيز بوتفليقة وأبناء حيه، وآخرون لم يتم استقطابهم، وفروا إلى الجزائر، على الرغم من أن الحكام هناك كانوا ينهجون سياسة إقصائية في وجه أبناء وجدة.
حتى لا تتشابك الخيوط. كانت البداية اتصالا هاتفيا للتأكد إن كان صديق علال سي ناصر الحميم مقيما بوجدة، لكنه كان يتردد على الرباط باستمرار. سألناه إن كان يتوفر على معلومات بشأن احتمال عودة عبد العزيز بوتفليقة إلى بيت العائلة بالمدينة. لكن الأمر أحاله على ذكريات انسابت من صوته الهادئ.. يقول إنها تروى لأول مرة.
«لم يكن من الأشقياء الذين ألفوا النط في الحي الذي كان يقطنه». ليتبعها بالقول: «يمكن أن أقول لك إنه كان نكرة. ولو قلت لأحد أقرانه، الذين أعتبر نفسي واحدا منهم، إن هذا الشاب الذي يقاسمنا نفس الحي والمدرسة، سيصبح يوما ما رئيسا للجزائر، فسينعتك بالجنون لا محالة». لم يكن أي شيء في طفولته يوحي بأن عبد العزيز سيكون له شيء عظيم. «هذا أمر أكيد». فعبد العزيز، الذي لم يكن أحد ليصدق أنه سيكون رئيسا للجزائر، كان طفلا هادئ الطباع، وخجولا. وهذا الوصف، قد سبق أن تناولته الصحافة في أكثر من مناسبة. لكن ما لا تعرفونه، حسب المصدر ذاته، أن بوتفليقة كان قد تعرض في أكثر من مناسبة لاعتداءات من طرف بعض التلاميذ المشاغبين أواسط الأربعينات، عندما كان تلميذا في المرحلة الابتدائية.

الخجول الذي ضربه أقرانه وبرع في الكرة وحاول التمثيل
عندما كان عبد العزيز يوضب أشياءه القليلة قبل الرحيل النهائي من منزل العائلة بوجدة، وهو في ريعان الشباب، كان لديه حنين، حتى قبل أن يغادر، بالعودة إلى مسقط الرأس يوما ما. لكن أصدقاءه الحقيقيين بوجدة، على قلتهم، قالوا له إن الحياة ستجرفه، ولن يفكر في العودة إلا بعد فوات الأوان.
كذلك كان. فالحياة السياسية خصوصا خلال الستينات والسبعينات، التي توج خلالها بوتفليقة وزيرا للخارجية، أخذت مناحي متذبذبة في علاقتها بالمغرب. ووجد الرجل نفسه، في نقطة اللاعودة عندما تأزمت العلاقات مع المغرب في أكثر من محطة. اختفى اسمه من الساحة السياسية في قلب الجزائر العاصمة، ولم يظهر له أثر، كما كان مألوفا.. نسيه مغاربة وجدة، أبناء جيل نهاية الثلاثينات، وبالضبط أقرانه أبناء 1937 وأصدقاء طفولته الذين ولدوا بعدها بقليل.
في هذا الملف، يبوح لنا رجل قابع في الظل بالعاصمة الرباط، الذي يقول إنه جاء إليها مكرها، قبل عشرين سنة، وهي اليوم ملجؤه لتلقي العلاج الذي لم يعد يسطيع الحياة بدونه. يضحك قائلا إنه أصبح مثله مثل بوتفليقة، فكلاهما لم يعد يستطيع العودة إلى وجدة، والفرق بينهما أن عبد العزيز أصبح رئيسا للجزائر، بينما هو لم يفز بأي شيء من السلطة، ولم يفكر أبدا في مغادرة المغرب.
بفضل علاقاته مع أصدقاء الأمس بوجدة، يقول إنه متأكد تماما أن عبد العزيز بوتفليقة لن يعود إلى مسقط رأسه، لأن الأمر قد يعتبر ضربة موجعة لـ«حكام الجزائر الفعليين»، حتى لو أراد هو العودة بشدة.
بعض المصادر التي تحدثت إليها «الأخبار»، أكدت أن بوتفليقة إذا عبر عن عودته إلى وجدة، ليقضي بها آخر أيامه، فإن الأمر لن يلقى قبولا لدى عائلته الصغيرة، لأنهم سيضيعون عليهم الكثير من المصالح والامتيازات بالجزائر، لكن المصادر نفسها لم تستبعد أبدا أن تكون الرغبة الأخيرة لبوتفليقة هي العودة إلى وجدة نهائيا، ليقضي ما تبقى من حياته في منزل العائلة الذي أمضى فيه جزءا مهما من حياته.
للتوضيح فإن المقصود ببيت عائلة بوتفليقة، هو فيلا تقع في تقاطع يعلمه القاصي والداني في وجدة، وهذا الأمر كان سببا في انتشار الإشاعة في وجدة أولا، عندما عاين بعض المارة وجود إصلاحات على مستوى الفيلا العائلية، وهو ما جعل البعض، خصوصا الذين يحتفظون لبوتفليقة بذكرى عابرة، يعتقدون أن الرئيس الجزائري الذي ساءت حالته الصحية ينوي العودة إلى مسقط رأسه.
المصادر ذاتها التي تحدثنا إليها، تقول إن من عادة عائلة بوتفليقة أن تتفقد ممتلكاتها بين الفينة والأخرى، وإدخال الإصلاحات عليها حتى تبقى في حالة تسمح باستعمالها مجددا للسكن، أو لقضاء بعض المناسبات، وهو الأمر الذي لم تقم به أسرة بوتفليقة الصغيرة نهائيا.
العلاقات المغربية الجزائرية، لا توحي بقرب أي انفراج، خصوصا أمام توالي المبادرات المغربية وسياسة الانغلاق الجزائري. تتذكرون جيدا أنه في سنة 2012، وضعت حكومة عبد الإله بنكيران في أول موقف، محرج لها خارج البلاد، عندما توفي الرئيس الجزائري الأسبق، أحمد بن بلة، في ربيع تلك السنة، وحضر جنازته وفد مغربي يترأسه عبد الإله بنكيران نفسه. الصورة كانت بليغة جدا، إذ أن الساهرين على الجنازة، وضعوا عبد العزيز المراكشي، زعيم «البوليساريو»، في الصف الأول للجنازة، ولم يكن يفصله عن بنكيران إلا جنرال عسكري جزائري، فيما كان عبد العزيز بوتفليقة واقفا في الصف نفسه لا تفصله عن الاثنين إلا خطوات قليلة. الرسالة كانت واضحة، فأن يقف رئيس الحكومة المغربي قرب الانفصالي رقم 1، وألا يفصل بينهما إلا عسكري جزائري، في جنازة رئيس عرف بطيب علاقته مع المغرب، قبل أن ينقلب عليه الهواري بومدين، أمر يحمل الكثير من الدلالات. انسحب الوفد المغربي بعد صلاة الجنازة مباشرة، وهو ما خلف استياء عارما في المغرب.. فتموضع عبد العزيز المراكشي يومها لم يكن بريئا، فيما كان بوتفليقة قادرا على الوقوف، يرعى المشهد من قريب..
تفجر الآن خبر نية بوتفليقة العودة إلى مسقط رأسه بوجدة. والجزائريون يعلمون جيدا أن رئيسهم الحالي والسابق لولايات رئاسية كثيرة، يحمل داخله هوية مغربية لم يفلح تاريخه في نصله عنها. عندما تسأل رجلا شاب في أزقة وجدة وبالضبط في الحي الذي ولد به عبد العزيز بوتفليقة، إن كان بوتفليقة سيعود يوما إلى بيت العائلة بعد أن غادره بشكل مريب ونهائي مطلع الستينات، فإن الجواب لن يكون إلا ضحكة كبيرة، مستنكرا السؤال، بالقول: «وكأنك لا تعرف أن حياة عبد العزيز بوتفليقة رهينة اليوم بمصحات باريس، وليس تاريخ الطفولة بوجدة».

ابن وجدة الذي تنكر لأصدقائه بعد الوزارة
«عندما علمنا بتعيين عبد العزيز بوتفليقة في المجلس الوطني التأسيسي بالجزائر، لم نصدم للخبر. كان هذا بالضبط في سنة 1962. فعلاقات عبد العزيز بوتفليقة بجبهة التحرير الجزائرية لم تكن تخفى على أحد من أصدقائه، وهؤلاء بدورهم أخبروا أصدقاءهم، وبات معروفا أن عبد العزيز كان طموحا جدا للفوز بمنصب ما في الجزائر بعد استقلالها».
هؤلاء الذين لم يصدموا عند إعلان اسم بوتفليقة كأحد أعضاء المجلس الوطني، لا بد أنهم تفاجؤوا على الأقل عندما سمعوا بخبر تعيينه وزيرا للشباب والرياضة في أول حكومة جزائرية بعد استقلال البلاد، والتي ترأسها أحمد بن بلة. «كانت مفاجأة كبيرة لنا، ولن أخفيك أن جميع ساكنة الحي شعروا يومها بفخر كبير لأن عبد العزيز بوتفليقة عاش بينهم. كان عظيما أن ترى واحدا من أبناء الحي قد أصبح وزيرا، وهو في بداية مرحلة الشباب. كان يومها عمره لا يتجاوز 25 سنة عندما أُعلن وزيرا للشباب والرياضة في أول حكومة جزائرية بعد الاستقلال. لكن الفرحة لم تدم طويلا، خصوصا عندما تم إخبارنا أنه يتنكر لأصوله الوجدية. فقد ذهب أحد أبناء الحي، وكان اسمه عبد الله، وكان يشارك بدوره في بعض المسرحيات التي شارك فيها عبد العزيز بوتفليقة في سن المراهقة، إلى الجزائر، وحاول لقاء عبد العزيز بوتفليقة في مقر الحكومة الجزائرية، لكن الأخير صرفه، ولم يقبل لقاءه، وأمر مساعديه أن يبعدوه عن المكان فورا. هذا ما وصلني وقتها بخصوص عبد العزيز بوتفليقة بعد توليه الوزارة. وقد كرهه الكثير من الأصدقاء بعد هذا الحديث، وأعرف صديقا كان يطفئ الراديو كلما سمع خبرا عن الجزائر والحكومة الجديدة هناك. وازداد الأمر سوءا لدى أبناء الحي عندما سمعوا عن الانقلاب الذي أنهى فترة حكم أحمد بن بلة لصالح هواري بومدين في صيف 1965».
لكن قبل ذلك فقد كان عبد العزيز بوتفليقة وزيرا للخارجية، وأصبح يمثلها رسميا في الملتقيات الدولية، بل وجاء إلى المغرب في مهمات رسمية.

تروى لأول مرة.. ذكريات مؤلمة من طفولة بوتفليقة
لم يكن الهدوء هو الموضة الطاغية في ذلك الوقت على تلاميذ وجدة، لذلك كان عبد العزيز بوتفليقة واحدا من القليلين الذين يكونون باستمرار ضحايا للتلاميذ الأكثر قوة. ربما لن ينسى عبد العزيز التلميذ، كيف أن تلميذا وجديا كان يحاصره في زاوية من ساحة المدرسة، ويطلب منه أن يقبل يده حتى يخلي سبيله، وهو الأمر الذي كان بوتفليقة يرفض الانصياع له، ويتحمل في سبيله حصة محترمة من الضرب على أيدي التلاميذ.
وطيلة سنوات الدراسة الابتدائية، التي كانت دائما بوجدة، لم يكن عبد العزيز بوتفليقة، ليجد لنفسه متنفسا أكبر من كرة القدم. فقد عرف عنه، رغم قامته القصيرة، أنه كان ماهرا جدا في المراوغة أثناء لعب الكرة، وقد حدث مرة أن استفزت مراوغاته أحد التلاميذ، وكان معروفا بقامته المديدة وكبر سنه مقارنة بالتلاميذ الآخرين، فضرب بوتفليقة ضربة أفقدته وعيه، واضطر أصدقاؤه إلى حمله غائبا عن الوعي إلى مكان ظليل. رد فعل بوتفليقة يومها لم يكن في حجم الضربة التي تلقاها، فما إن استعاد وعيه، حتى فر إلى منزل العائلة، وامتنع عن لعب الكرة لأسابيع، وحكى لبعض أصدقائه أن أسرته منعته كليا من العودة إلى لعب الكرة مجددا.
قامته القصيرة كانت تساعده على المراوغات، لكنه لم يكن يملك قوة بدنية تؤهله لمنافسة أقرانه من التلاميذ. لذلك لاذ عبد العزيز بالصمت، ولم يكن يصادق إلا التلاميذ الذين كانوا يقطنون بالقرب من منزل أسرته.
لكن ما إن طوت المرحلة الابتدائية أيامها، حتى استقبل عبد العزيز بوتفليقة، المرحلة الإعدادية والثانوية بكثير حزم، رسم خلالها أولى خطوات مساره نحو قصر المرادية
بالجزائر.

لو لم يصبح رئيسا للجزائر لكان من قياديي حزب الاستقلال!
في المرحلة الإعدادية والثانوية، أواسط الخمسينات، كان عبد العزيز بوتفليقة قد اتخذ لنفسه مسارا مغايرا تماما للمسار الذي كان عليه أثناء المرحلة الابتدائية. قامته لم تكن مديدة بما يكفي لينتقم من تلاميذ الأمس المشاغبين، ولم يكن أيضا من الشبان الذين اختاروا طريق الحرف التقليدية، أو الأعمال الفلاحية، على قلتها بالمنطقة، فوضع أسرته المادي، جعله في غنى عن التفكير في الانقطاع عن الدراسة ومزاولة مهنة، أو تعلم حرفة لكسب المال. كان طموحه وقتها يتشكل، وأسر إلى قلة قليلة من أصدقائه أنه يجد متعة كبيرة في مطالعة الكتب، والانفتاح على التجارب السياسية، ومتابعة الأخبار التي كانت وقتها مشتعلة في الرباط. لكنه من وجدة، كان يطمح إلى وضع قدمه في عالم السياسة، وهكذا وجد نفسه محشورا وسط عدد من أقرانه الذين كانوا مهووسين وقتها بالعمل الجمعوي والأنشطة الشبابية بما فيها التمثيل والغناء.. وهذه الأنشطة كانت وقتها تؤطر من طرف شبيبة حزب الاستقلال، التي كان واسعة الانتشار. وهكذا كان بوتفليقة يطمح إلى دخول عالم السياسة من هذا الباب، وشارك في عدد من الأنشطة، من بينها مسرحيات وأناشيد في المناسبات المدرسية التي كانت تقام بالثانوية التي درس بها في وجدة خلال الخمسينات دائما.
هل صحيح أن عبد العزيز بوتفليقة كان يطمح إلى أن يكون استقلاليا؟ حسب المصدر نفسه فإن الجواب عن هذا السؤال يبقى ضبابيا، لأن بوتفليقة كان كتوما إلى حد كبير، وكان يتبرم دائما من البوح لأصدقائه بعلاقاته مع بعض الشبان الذين كانوا يأتون إلى وجدة من الجزائر، وكان عبد العزيز قد بدأ وقتها في عقد لقاءات معهم، في المقاهي الشعبية للمدينة وبعض المنازل. إلا أنه رغم ذلك لم يكن يخفي رغبته في الانتقال إلى الجزائر، خصوصا في سنة 1961، عندما توفي الملك محمد الخامس، والتطورات التي عرفتها الساحة الجزائرية في الفترة ذاتها.
في ذلك الوقت، كان بوتفليقة كتوما جدا، وبدأ في الابتعاد شيئا فشيئا عن الشباب الذين ترعرع معهم في وجدة، حتى أنه دخل في خصومة مع المجموعة التي كان يشارك معها في أداء المسرحيات، وأعرب لهم عن عدم رغبته في ممارسة الأنشطة الشبابية مجددا، واتهمه بعضهم بأنه لم يعد وفيا للشبيبة الاستقلالية، وكان رده هو الصمت.
فقد كانت علاقته بجبهة التحرير الوطني الجزائرية قد بدأت تتشكل، وفي بداية الستينات بالضبط، لم تكن علاقته بها   لتخفى على أحد من أبناء حيه وأصدقاء دراسته على قلتهم. وهكذا وجد أغلب أصدقائه تفسيرا معقولا لابتعاده عن المحيط الذي ترعرع فيه لأزيد من 18 سنة، وكلما كانت الأوضاع في الجزائر تشهد غليانا على المستوى السياسي، كان عبد العزيز بوتفليقة يختفي عن الأنظار لأيام، ثم يعود ليظهر في الحي من جديد، دون أن يتوقف عن لقاءاته التي كانت تزداد سرية يوما بعد يوم.

فرار بوتفليقة إلى الجزائر وسر عشيقته الوجدية!
يقال إن لعبد العزيز بوتفليقة قصة حب عنيفة تفجرت في أحياء مدينة وجدة. لكن الفترة التي كان فيها صديق الراحل علال سي ناصر، يخالط شباب وجدة في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، جعلته يقول لنا يقينا إن بوتفليقة كان يتلون بحمرة غريبة إذا ما رأى فتاة وجدية جميلة. ولم يكن يقوى أبدا على الحديث إلى إحداهن، أولا لأن المجتمع الوجدي كان محافظا للغاية، وكان يستحيل على شاب وجدي أن يختلي بشابة وجدية بأي شكل من الأشكال.
لا يوجد ما يكذب الإشاعة بالأدلة الدامغة، ولا يوجد أيضا ما يؤكدها. إذ لا يعقل أن يغادر الحب حتى أكثر مدن العالم تزمتا وانغلاقا. لكن الأكيد أن عبد العزيز بوتفليقة، عندما غادر وجدة لآخر مرة، أياما فقط قبل بروز اسمه بشكل رسمي كأحد المسؤولين رفقة أول رئيس للجزائر بعد حصولها على الاستقلال، كان متأثرا جدا لأنه أصبح مجبرا على مغادرة المدينة التي أمضى فيها سنوات شبابه، ولم يحدث أبدا خلال فترة طفولته، أو مراهقته، أن غادرها لمدة طويلة.
تقول بعض الروايات إنه كان على علاقة مع ممرضة بمدينة وجدة، وإن حتميات المرحلة المقبلة جعلته مجبرا على المغادرة النهائية للمدينة، بشكل لم يعد معه ممكنا أن تستمر علاقته بالممرضة، فما كان إلا أن رحل دون إخبارها بعد أن أخذ منها جميع ما يثبت علاقته بها.
من جديد، يكذب لنا صديق علال سي ناصر، الذي سبق له أن التقى بوتفليقة رفقة الوفد الجزائري الذي كان دائم الحضور بالمغرب قبل استقلال الجزائر، ويؤكد لنا أن بوتفليقة كان بإمكانه أن يتزوج بوجدة لو أراد، وأن يأخذ معه زوجته إلى الجزائر، ولن يواجه أي مشكل في هذا الباب، والدليل أن آخرين كما يقول، من الشبان الذين عاشوا بوجدة واختاروا الكفاح المسلح للعمل على استقلال الجزائر، وتوجهوا إليها عبر طرق سرية من وجدة، كان بإمكانهم جميعا أن يتزوجوا ويأخذوا زوجاتهم معهم، حتى أن العاملين على التنسيق داخل جبهة التحرير الجزائرية، كانوا يرصدون مكافآت مالية للذين يستقدمون أسرهم معهم ويختارون الدفاع عن استقلال الجزائر، والاستقرار النهائي بها.
بوتفليقة، كان ذكيا، ولم يكن ليفوت على نفسه المكافأة، خصوصا وأنه كان من الأسماء البارزة في أوساط الجبهة، ولن يختار بأي شكل من الأشكال أن يتخلى عن كل شيء من أجل مستقبل بالجزائر.
المثير في الرواية الجديدة، أن بوتفليقة لم يفر إلى الجزائر كما هو رائج، بل أخبر قلة من أصدقائه الثقاة، والذين كان يختلي بهم في مقهى شعبي لا يبعد إلا أمتارا قليلة عن منزل عائلته، وأكد لهم أنه ينوي الاستقرار النهائي بالجزائر، معبرا لهم عن طموحه في الاشتغال السياسي هناك، وتأسيس مستقبل آمن له ولأسرته، لكنه لم يخبر أحدا بساعة الرحيل.
حتى عندما اختفى تماما عن الأنظار، خلال الأيام الأولى، كان الجميع يظنون أنها واحدة من رحلاته التي تمتد لأيام فقط قبل العودة مجددا إلى كراسي المقهى الصغير بالحي. لكن غياب بوتفليقة طال.. إلى أن حملت لهم موجات الراديو خبرا يشرح كل شيء.

ليست هذه أول مرة تروج فيها إشاعة عودة بوتفليقة إلى وجدة!
عندما أصبح بوتفليقة اسما من الأسماء التي تجمع أسرار كثيرة عن النظام الجزائري وأصبحت طرفا قويا فيه، لم يسلم بدوره من الانتقادات، خصوصا عند بداية الثمانينات، وهي الفترة التي أعلن فيها خروجه من الجزائر واختياره الإقامة في بلدان كثيرة، هربا من زوبعة من الانتقادات التي وجهت إليه في مطلع الثمانينات، كان أبرزها اتهامه بالاختلاس واستعمال السلطة المخولة له لأغراض شخصية، ما بين الستينات إلى نهاية السبعينات.
هذا الأمر جعله يفضل البقاء خارج الجزائر، حيث قضى فترة امتدت من 1981 إلى 1987، يتأرجح خلالها بين غضب حكام الجزائر عليه وغضب الشارع. حتى أن الصحافة الجزائرية خرجت بعناوين كبيرة لتدين اختلاسات المال العام بالجزائر بداية الثمانينات، لكن تقدم السنوات كان كفيلا بحل تلك الأزمة التي بدأت نهايتها يوم مغادرة بوتفليقة لأرض الجزائر، في ما يشبه عطلة مفتوحة. ونسي الرأي العام الجزائري موجة الاتهامات تلك، بعد أن راج كثيرا أنه عاد إلى مسقط رأسه وجدة، وهو ما كان وقتها خبرا عاريا عن الصحة تماما، خصوصا وأن علاقات المغرب بالجزائر كانت لا تسمح بعودة بوتفليقة نظرا للأدوار التي لعبها في محطات كثيرة، ثم لأن مجريات الأحداث أوضحت أنه كان يستقر بدولة الإمارات العربية المتحدة. هذه الأدوار التي كان بوتفليقة وراءها، خصوصا على المستوى العسكري، زادت وضعه تعقيدا. ولم تتضح الأمور بالجزائر إلا في سنة 1987 عندما استفاد عبد العزيز بوتفليقة من عفو أعلنه الرئيس الجزائري وقتها الشاذلي بن جديد، ليعود إلى الحياة السياسية بالتدريج، ويُعلن عن ترشحه للرئاسة في دجنبر 1998 كرئيس حر، وتبدأ السنة التي تلتها معلنة فوزه بكرسي الرئاسة، والذي استمر فيه إلى اليوم.
اليوم، بوتفليقة لم يعد أبدا ذلك الوجدي ذا القامة القصيرة والدهاء الكبير. مات أغلب أصدقائه الذين شاركهم تلك الكراسي التي أصبحت في نظره «حقيرة» في المقهى الشعبي في الحي الذي تربى فيه لسنوات طويلة. إنه اليوم رئيس حالي للجزائر، وصاحب مواقف أبانت عن عداء كبير للمغرب، وأخرى غير مفهومة تذهب دائما في اتجاه تفادي أي فرصة للصلح وإقبارها، خصوصا بعد المبادرة المغربية قبل سنوات، لإعادة فتح الحدود.
هل سيعود بوتفليقة إلى وجدة تحقيقا للمصالحة مع الذات، أم أن الذين أرادوا له أن يبقى فوق كرسي رئاسة الجمهورية لولاية رابعة، ويصبح أكثر رؤساء الجمهورية الجزائرية إقامة في قصر الرئاسة، يرون غير ذلك؟. هي إذن وجدة التي بخاطر بوتفليقة، لكنه لم يعد يقوى على العودة إليها، حتى لو أراد. فحتى الفرص التي أتيحت له عندما كان واقفا على قدميه، أضاعها بالكامل، فكيف يستطيع اليوم وهو مقعد على الكرسي؟
سعيد، الأخ الملازم لرئيس الجمهورية الجزائرية، قاد إصلاحات كثيرة، ليس على المستوى السياسي أبدا، بل على مستوى منزل العائلة بوجدة، وراج كثيرا احتمال أن عبد العزيز بوتفليقة يستعد للعودة. حتى أن الكثيرين قالوا إنه عاد ليقيم في منزله، قبل أن تبدو صوره في الإعلام الجزائري معلنة إقامته في قلب العاصمة الجزائر، واستعداده للذهاب إلى باريس، تلك التي يحتاجها اليوم للبقاء على قيد الحياة أكثر من حاجته إلى وجدة، التي لم يفوت أي فرصة لتمديد القطيعة معها.

من وجدة إلى وزارة الخارجية ومفاوضة المغرب!
بعد أن أصبح عبد العزيز بوتفليقة غنيا عن التعريف وزيرا للشباب والرياضة، وهو في منتصف العشرينات فقط من عمره، أصبح أكثر أهمية عندما أعلن وزيرا للخارجية الجزائرية سنة 1963، وبعدها بسنة فقط، أي في 1964 سيعلن عضوا في المكتب السياسي وهو لم يغادر العشرينات من عمره بعد. وبعدها بسنة أخرى، أي 1965، سيصبح بوتفليقة رجلا فعالا جدا واسما بارزا من بين الأسماء التي انقلبت على بن بلة، ووالت هواري بومدين. وستعرف حياته منعطفات أخرى، بعد ذلك التاريخ، وستسوء علاقته بالمغرب أكثر من أي وقت مضى، وسيعرف حينها أنه وصل إلى نقطة اللاعودة إلى وجدة.
وزيرا للخارجية، كان عبد العزيز بوتفليقة متأنقا أكثر مما يجب، عندما يتعلق الأمر بزيارة إلى الرباط.
في السنة الماضية فقط، نشر موقع ويكيليكس الشهير، حزمة كبيرة من الأوراق السرية للخارجية الأمريكية، وكانت العلاقات المغربية الجزائرية خلال سنة 1962، قبل اندلاع حرب الرمال الشهيرة، موضوعا لأوراق كثيرة.
كان حينها أحمد الطيبي بنهيمة، وزيرا للخارجية المغربية، وكان هواري بومدين رئيسا للجزائر. كان موضوع الوثيقة هو الآتي:
بنهيمة طار بسرعة إلى الجيران الجزائريين، حاملا رسالة من الحسن الثاني. الصحافة المغربية اهتمت بموضوع الزيارة، ولم يفت جريدة «العلم»، لسان حزب الاستقلال، حينها، أن تشير إلى أن الزيارة رسمية، ولن تتجاوز بأي حال من الأحوال تبليغ رسالة الحسن الثاني، على أن يعود وزير الخارجية في مساء اليوم نفسه إلى المغرب. بل وأكدت الجريدة ذاتها أن بنهيمة صرح بعد الزيارة بأنه بحث تطوير العلاقات بين البلدين على أعلى مستوى، وعاد راضيا عن الزيارة. الجريدة أكدت أيضا أنه حمل توصيات مهمة من الملك الراحل الحسن الثاني، لكن الوزير بنهيمة، في تصريحه لـ«العلم» ووكالة المغرب العربي للأنباء، لم يشر إلى مضمونها لا من قريب ولا من بعيد.
السفارة الأمريكية بالمغرب رجحت أن يكون موضوع الزيارة بالأساس متعلقا ببحث سبل التصدي لتسلل المسلحين من ليبيا، وبحث تعاون مع الجزائر في هذا الباب. المراسلة ذيلت بعبارة مقتضبة تكشف الرغبة الأمريكية في معرفة تفاصيل اللقاء، بين المغرب والجزائر، وعلاقته بقضية الصحراء والعلاقات المتوترة مع ليبيا، ليوضح السفير في نهاية المراسلة أنه يرحب بأي معلومات إضافية تحصل عليها بلاده بهذا الخصوص، موصيا بتزويده بها في أقرب وقت.
الحرص الأمريكي على تتبع العلاقات المغربية الجزائرية قبل المسيرة الخضراء، يظهر جليا في وثيقة أخرى تعود إلى الفترة ذاتها. إذ أن الأمريكيين علموا بأمر زيارة بوتفليقة إلى فرنسا، وأرسلوا وثيقة إلى أمريكا «تؤكد على قرب زيارة وزير الخارجية الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، ووصفوه بأنه الرجل المهم رقم 2 بالبلاد، مؤكدين أن تاريخ الزيارة لم يحدد بعد، ومن شأنها أن تعرف مباحثات بين فرنسا والجزائر حول الأوضاع بالمنطقة والعلاقات مع المغرب».



المصدر : http://ift.tt/1MJUHQO

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا تنسوا التعليق على الموضوع ، آراؤكم تهمنا

جميع الحقوق محفوظة لـ مكتبة العجائب